بوتــــان مملكة للأساطير والتاريخ

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
052011%5C30052011%5CTHUMB34837.JPG


الغموض والأساطير، التاريخ والحضارة، عناوين مثيرة للحديث عن مملكة بوتان، التي ظلت أكثر البقاع الآسيوية سحراً وأعمقها سراً ورغم أن اسمها أرض التنين الراعد، إلا أنها منطقة مسالمة جداً. لا بد أن تمر بالهند قبل أن تصل إلى هناك، مثلما جاءت البوذية أولاً من الهند، وسافرت إلى الصين وبوتان وسواهما، فالطيران البوتاني هو الوحيد المسموح له بالهبوط في مطار العاصمة البوتانية ثيمبو.

من السماء ستتعرف على مملكة جبلية تطل على سلسلة مرتفعات الهيمالايا وتقع أيضاً في قلبها. مساحتها أكثر بقليل من 46 ألف كيلومتر مربع، وتحيطها من جهتيها أكبر أمتين في آسيا: الصين والهند. ورغم تلك المساحة الصغيرة، فإن طبيعة مملكة بوتان تشكل تنوعاً هائلاً بين الغابات الاستوائية جنوباً والتشكيلات الثلجية شمالاً، مع مناخ من الربيع الدائم في كل الجهات، وهو ما يجعلها بين أكثر عشر مناطق في العالم تنوعاً جغرافياً. وقد أهل هذا التنوع المناخي والجغرافي المملكة لتكون موطناً لأنواع شتى من الكائنات الحية.
تشعر أنك في أرض المهرجانات، فالمملكة تمزج بحيوية بين الماضي والحاضر في قوس قزح من ألوان التراث. ولأنها المملكة البوذية الوحيدة في العالم فإن الدين والثقافة فيها متآلفان ومتكاملان. ويدخل الدين في كل شؤون حياة البوتانيين، خصوصاً في الفنون التي تحافظ على قيم وتعاليم البوذيين. هذه المهرجانات الدينية لا تعبر فقط عن الاحتفال ولكنها تحمل معها دروس البوذية للأجيال التالية خصوصاً بتجسيد انتصار الخير على الشر. في تلك الاحتفالات يجتمع الأصدقاء وأفراد العائلة وهم يرتدون أبهى ما لديهم من أزياء ويشاهدون رقصات تقليدية تعود لأكثر من خمسة قرون.
عرفتُ لماذا اختيرت الرقصات البوتانية من قبل اليونسكو سنة 2005 كتراث عالمي غير مادي جدير بالحفاظ عليه، إنها قوّتها التصويرية للعالم الروحاني وجذبها لكل الحواس حولها فهناك مهارة الراقصين، ومعاني الأداء الحركي، فضلاً عن جمال الغناء، وبهجة الأزياء الملونة. ويقال إن من يحضر تلك الرقصات يحظى بزوجة وحياة طيبتين!!

052011%5C30052011%5CTHUMB34839.JPG


أهم أعياد بوتان هو عيد التشيكوس السنوي، وهو مهرجان لتكريم المعلم «باماسا بافا»، الذي يقال إنه ولد من زهرة اللوتس. وقد ساهم هذا الراهب الهندي بشكل كبير في انتشار البوذية في مناطق الهيمالايا والتيبت، ونيبال، وكذلك بوتان، نحو العام 800 ميلادية. وتعاد السيرة الذاتية للمعلم من خلال 12 مقطوعة وتختلف مواعيد وفترات مهرجانات كل مقاطعة عن الأخرى، ولكنها عادة تقع قرب أو في اليوم العاشر من الشهر، في التقويم البوتاني. ويحتفل بالتشيكوس في مقاطعات بوتان الغربية، كما في العاصمة ثيمبو ومقاطعتا بارو وبوناكا هي الأكثر شعبية، وهي تقام قرب القلاع الكبيرة ومباني قصور الدزونج التي توجد بتلك المقاطعات.
وحين تعبر الجسور التي تربط قمم الجبال، وحين يمتد البصر عبر السهول، وسواء كنت في منطقة معزولة أو في مدينة، فهناك نمط معمار يتردد مرآه كأغنية: إنها قصور وبيوت الدزونج، التي تمثل قمة الخصائص المعمارية في مملكة بوتان، سواء بتصميمها المعماري، أو أسقفها الخشبية المزخرفة، ويقال إن تلك الأبعاد التي يخضع لها تصميم الدزونج تحيلنا إلى معان دينية، حيث إن تلك التفاصيل تعود للمعماريين البوذيين الأوائل.
بجانب عمارة الدزونج هناك ألفا معبد آخر وعدد لا يحصى من أماكن التعبد على الطريق. تبدأ من أبسطها حجماً حتى أكثرها دقة. وهذا الحضور الطاغي يبرز الاهتمام بالتعاليم البوذية لدى كل أبناء المملكة، الذين لا يتجاوزن 670 ألف نسمة. وفي هذه الأماكن، يتمنى الزوار ما يريدون، وكذلك يدعون للراحلين، ومن نماذجها المعمارية نرى إحداها تعتلي أحد الجبال، ويقال إن القديس الذي بناها جاءها على ظهر نمر.

052011%5C30052011%5CTHUMB34840.JPG


غير بعيد من قصور التعبد تخفق الأعلام، التي ترمز إلى الأدعية والروحانية لكل من ربطها هناك وترك معها أمنياته. ففي ريف مملكة بوتان تمتلئ المناطق البسيطة بالحياة المتدفقة كنهر ذاب من قمة الثلوج. وحين تزور معهد الحرف والفنون التقليدية تستطيع أن ترى التقاليد البوذية وهي تتحول إلى أعمال فنية، سواء كان رسماً، أو نحتاً، أو كانت أشغالاً معدنية، أو صناعة الورق بالطريقة التقليدية، وكذلك النسج اليدوي، مضافاً إليها السلال والفخاريات يجعلها جميعاً فنوناً خالدة لأنها تمارس منذ قرون وهي ترتبط كلها بالتعاليم الدينية.
غالباً ما تعمل على صناعة النسيج التقليدية نساء توارثن تلك المهنة العريقة في مملكة بوتان. ليست المهارة وحدها هي التي تميز الأيدي الناسجة، بل الدقة، واختيار الألوان الباهرة، وإدراج الموتيفات التي تمثل أيقونات بصرية تراها في الطبيعة، مثلما تراها في العمارة، لتكون حاضرة في الملابس أيضاً. بين زي الرجال، الذي يسمى (جو) ورداء المرأة الذي يسمى (كيرا) يمكن أن نوجز خصائص الزي البوتاني. فالرجل يرتدي روباً طوله يتخطى الركبتين بقليل، والكمان بلون أبيض، قالوا لي إن سر هذا الجزء الأبيض في الرداء هو أنه يفصح عن سريرة بيضاء متسامحة، وكأنه يكشف لك عن مكنون الداخل المسالم، أما باقي الزي فشراب طويل، وحذاء برقبة، مثل الاسكتلنديين! تحت رداء الكيرا تلبس المرأة البوتانية قميصاً يشد بمشبكين عند الكتفين، ويحكمه حزام مشدود جداً عند الوسط، وفوق الكيرا والبلوزة «جاكت» منسوج من الصوف الجميل المزخرف، وقد اعتمد هذا الزي الوطني للرجل والمرأة في العام 1989.

052011%5C30052011%5CTHUMB34841.JPG


في قصور الدزونج هناك نساجون ونساجات وفي الاحتفالات الدينية، ترتدي الفتيات زياً يعرف باسم (شينجكا) مثل الأوشحة. ومن أجمل التجارب التي يمكن أن تراها في بوتان، أن تشاهد النسوة يغزلن وهن يستمعن إلى أغنية ترتل باسم آشي نانجسا. الأغنية منتشرة في التيبت، ولكنها أصبحت أكثر شهرة في بوتان بعد أن تم وضعها ضمن المناهج المدرسية، وتقول: بعناية مضيفنا اللاما، وبواسطة الواجبات المقدسة، من فضلك انظر إلى الفتيات رأفة بهن، انصت لبنات نانيام، واسمعني وأنا أبعث من جديد، أنا نانجسا، أعودُ للحياة بعد أن استخدمت نول النسيج، بينما البنات تغني لكي تجعلك تؤمن! وتظل الأغنية تصف كيف يمكن أن تثير المربعات والدوائر والألوان والرسوم الشحنات المؤثرة ليتعلق القلب بالحياة الروحانية.
يعد اقتصاد مملكة بوتان من أصغر الكيانات الاقتصادية في العالم، ورغم ذلك فقد نما سريعًا، في السنوات الأخيرة. خصوصاً منذ عهد الملك الخامس والحالي جيجمي كيسر نامجيل وانجتشوك، خريج جامعة أوكسفورد، الذي توج في العام 2008 وهو في سن الثامنة والعشرين.
ففي العام 2007 احتلت بوتان المرتبة الثانية كأسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ويعود ذلك أساساً إلى بدء تنفيذ مشروع الكهرباء الهيدروليكي في تالا. هذا المشروع سيولد طاقة 1020 ميجاوات من القوة الهيدروليكية. وأعتقد أن بوتان ستنهض بفضل هذه الطاقة التي ستنشأ بفضل وجود وديان عميقة وأنهار سريعة تمثل معاً تكويناً مثالياً لتوليد هذه الطاقة. وهناك خطط على مدى السنوات العشر المقبلة لتوليد 10 ميجاوات أخرى من الطاقة الهيدروليكية النظيفة، التي ستباع إلى الهند. بينما تغطي الغابات مساحة أكثر من 60 بالمائة من بوتان، وقد وضعت جميعاً كمحميات فضلاً عن وجود 4 متنزهات وطنية وهي تضم آلافاً من أنواع الفصائل الحية. ويعتمد نحو 80 بالمائة من السكان على الزراعة مصدراً لحياتهم. وعندهم خطط طموحة للترويج للزراعة العضوية، ورغم ذلك فإن المساهمة الفعلية للزراعة في الدخل القومي قليلة نسبياً في الوقت الحاضر.
حينما سألت مضيفي الدبلوماسي شيروب تنزين، عن حالة الإعلام عرفت أن التلفزيون لم يدخل إلى بوتان سوى في العام 1999 مع الإنترنت! أما الصحف الست التي تصدر فنصفها بالإنجليزية، بجانب اللغة الوطنية زونكا، وفي الإذاعة أيضاً تستخدم الإنجليزية بجانب اللغة الوطنية زونكا. الشيء الذي يمكن أن تراه في كل مكان، هو منسوجات فن التانكا، وأصل الكلمة «تانغكا»، وهما مفردتان من التبت، يعني الجزء الأول منها، وهو «تانغ»، اللامحدود. في الرسم على قطعة من القماش الأبيض، يمكن رسم مئات بل آلاف الصور البوذية، ويمكن أيضاً رسم صورة بوذية واحدة فقط. ويقصد بـالجزء الثاني،»كا»، ملء الفراغ. و»تانغكا» هي لوحة الرسم الملفوفة، أصباغها تصنع من الذهب والفضة والعقيق والمرجان واللؤلؤ وغيرها من المعادن والزعفران ونبات «داهوانغ» وغيرها من النباتات، موضوعاتها تدور حول قصص الشخصيات البوذية دائماً.
تشير بعض الدراسات الفنية التاريخية إلى أن شكل «تانغكا» له علاقة بحياة القبائل البدوية. كان الناس يعيشون آنذاك على الأعشاب في الهضاب الشاسعة الفقيرة، حاملين لوحة «تانغكا» الملفوفة متخذين منها معبداً لهم لأن رسم «تانغكا» أخف من التمثال، ويختلف عن الرسم على الجدار، أينما ذهبوا يمكنهم تعليقه على الخيام أو أغصان الشجر فيكون رمزاً يصلون أمامه أو ينظرون إليه ويتأملونه ليحمي من رحل من ذويهم!
لوحة «تانغكا» الصغيرة تكون في حجم كف اليد، تُرسم على الورق أو القماش أو جلد الغنم، بينما يصل حجم «تانغكا» الكبيرة إلى عشرات بل مائة متر مربع، ويمكنها أن تحجب سفح جبل كامل! و»لا ري با»، هو الشخص الذي يرسم «تانغكا»، وفي كل أماكن التيبتيين نموذج متوارث على الرسام أن يلتزم به في رسمه. هذا النموذج يكون مخفياً بين المؤلفات البوذية التي يُحتفظ بها دائماً في سرية تامة. تسجل فيه سبع مجموعات على الأقل لمقاييس رسم صور بوذا جالساً أو هادئاً أو غاضباً ولكل صورة مقاييس مناسبة لا يمكن تعديلها.
والسر الآخر لاستمرار جاذبية «تانغكا» هو الأصباغ. كل الأصباغ مأخوذة من الأرض، ومن المعادن النفيسة أو النباتات النادرة، وتركيبها يعتمد على يد الإنسان، العملية بطيئة ومعقدة، بل لها علاقة بقوة الإنسان، فالشاب يصنع الصبغ الأبيض والأصفر، بينما الشخص الضعيف يعمل الصبغ الأزرق والأخضر. «تانغكا» المرسومة بهذه الأصباغ ألوانها لا تتغير مع الأيام. واستخدام الصبغ الذهبي مهارة من المهارات المتفوقة في رسم «تانغكا». إلى جانب الرسامين المتخصصين في تانغكا.
البوتانيون طعامهم بسيط جداً ووجبة الإماداتي هي الأكثر شهرة، وبدونها لا يستمتع البوتانيون بطعامهم. فما هي وجبة الإماداتي؟ هي الفلفل الممزوج بالجبن... وهي الأكثر حرارة والأفضل طعماً لتوابل الطعام. عدا ذلك هناك شيء هام يحب البوتانيون تناوله صباحاً: الشاي بالزبد، مع الأرز والفلفل.. فياله من إفطار تواجه به النهار! لكنني قبل أن أترك الإماداتي سألت عن سر اسم المملكة «أرض تنين الرعد». يقال إن الراهب باماسا بافا الذي أدخل البوذية جاءها على ظهر تنين الرعد، مثلما جاء راهب آخر على ظهر نمر. هي الأساطير التي تحمل أقداراً من الحكمة والتاريخ معاً. لكن يبقى أن أقول إن هذا التنين مسالم جداً، ولا يظهر سوى على علم مملكة بوتان، واحتفالات التشيكوس!
 

Queen

مشرفة

إنضم
Nov 28, 2009
المشاركات
3,344
مستوى التفاعل
34
المطرح
In my dreams
يسلموو ديزاينر
 

ندى القلب

المحاربين القدماء

إنضم
Jul 14, 2009
المشاركات
16,493
مستوى التفاعل
151
رسايل :

كالسجناء نلتقي وعيوننا معلقة على الزمن الهارب _ العائم مثل طائرة ورقية يلهو بها طفل لا مبال

يعطيك الف عافيه ديزاينر

موضوع شااااااااااامل ووافيوردة*
 

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
نورتوا يا محترمين...
 
أعلى