§ أبو المر §
بيلساني فعال




- إنضم
- Jun 28, 2008
- المشاركات
- 110
- مستوى التفاعل
- 87
- المطرح
- مع احلى قمر بلبلد

قصة أصحاب الأخدود
قصة أصحاب الأخدود قصة عظيمة ، أشار الله عز وجل إليها في كتابه إشارة مختصرة - على طريقة القران في الإيجاز , وعدم الخوض في التفصيلات - ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل القصة وأحداثها في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها قصة غلام نور الله بصيرته , وآتاه من الإيمان والثبات , والذكاء والفطنة , ما استطاع به أن يغير حال أمة بأكملها , وأن يزلزل عرش ذلك الطاغية المتجبر , الذي ادعى الألوهية من دون الله , فقد كان لهذا الملك ساحر يعتمد عليه في تثبيت ملكه , وإرهاب الناس لينصاعوا لأمره , فكبر سن هذا الساحر , وطلب من الملك أن يرسل له غلاما , ليرث علمه , ويخلفه في مهمته , وكان من إرادة الله الخير لهذا الغلام أن كان هو المرشح لهذه المهمة , وتعرف في أثناء ذهابه إلى الساحر وعودته من عنده على راهب مؤمن , دعاه إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن , ودله الراهب على ما يتخلص به من تأنيب الساحر وتأنيب أهله في حال تأخره عنهم , ثم أراد أن يزداد يقينا واطمئنانا بصحة ما دعاه إليه الراهب , فوجد الفرصة سانحة عندما اعترضت الدابة طريق الناس , ثم ذاع أمر الغلام واشتهر بين الناس , وأجرى الله على يديه الكرامات من شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص , وكان يتخذ من ذلك فرصة لدعوة الناس إلى التوحيد والإيمان , حتى وصل خبره إلى الملك عن طريق جليسه الذي دعا له الغلام فشفاه الله , وشعر الملك من كلام الوزير ببوادر فتنة تهدد عرشه , عندما صرح بالألوهية والربوبية لغيره , فأراد أن يعرف أصل هذه الفتنة ومصدرها , فوصل إلى الغلام ثم إلى الراهب عن طريق التعذيب , وأراد أن يصدهم عن ما هم عليه , فأبوا واحتملوا العذاب والقتل على الكفر بالله , وأما الغلام فلم يقتله قتلا مباشرا كما فعل مع الوزير والراهب , بل استخدم معه طرقا متعددة لتخويفه وإرهابه , طمعا في أن يرجع عن ما هو عليه , ويستفيد منه في تثبيت دعائم ملكه , وفي كل مرة ينجيه الله , ويعود إلى الملك عودة المتحدي , وكان الناس يتابعون ما يفعله الغلام خطوة بخطوة , ويترقبون ما سيصل إليه أمره ، فلما يئس الملك من قتله أخبره الغلام أنه لن يستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة يحددها الغلام نفسه , ولم يكن الغلام يطلب الموت أو الشهادة , بل كان يريد أن يؤمن الناس كلهم , وأن يثبت عجز الملك وضعفه, في مقابل قدرة الله وقوته ، فأخبره أنه لن يستطيع قتله إلا إذا جمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على خشبة ، ثم أخذ سهمًا - وليس أي سهم , بل سهمًا من كنانة الغلام - ثم رماه به قائلاً : بسم الله رب الغلام .
فقام الملك بتطبيق قول الغلام ، ومات الغلام , وتحقق للملك ما أراد , وآمن الناس كلهم , فجن جنون الملك , وحفر لهم الأخاديد , وأضرم فيها النيران , ورضي الناس بالتضحية في سبيل الله , على الرغم من أنه لم يمض على إيمانهم إلا ساعات قلائل بعد الذي عاينوه من دلائل الإيمان , وشواهد اليقين , وأنطق الله الرضيع عندما تقاعست أمه عن اقتحام النار , وكانت آية ثبت الله بها قلوب المؤمنين .
إن هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة , فالحياة الدنيا وما فيها من المتاعب والآلام ، ليست هي الميزان ، الذي يوزن به الربح والخسارة , والناس جميعاً يموتون ، وتختلف الأسباب ، ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .