DE$!GNER
بيلساني محترف





- إنضم
- Apr 4, 2011
- المشاركات
- 2,637
- مستوى التفاعل
- 44
- المطرح
- بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم


من يقرأ لشاعرنا الكبير سليمان العيسى يرى في أغلب ما قدمه من نتاج شعري تلك الآهة المحزونة والألم العبقري والصدقية في الشاعرية النابعة من الوجدان...
هو شاعر همّه بالدرجة الأولى أن تكون إنساناً بالمقام الأول.. تمتلك قلباً صاخباً يمتلئ بالحنان تجاه كل من يلتقي به ويتعامل معه وحتى من يبادله التحية العابرة ولكن على ان تكون محملة بنسيم الحب والصدق والشفافية، كتب في كل الأشياء وعن كل الأشياء بلغة سلسة رهيفة مسكونة بالعفوية خالية من التصنع يسكب جمله وكلماته على مسامع معجبيه وقرائه كما لو كانت الماء الرائق السائغ في حلق العطشان تستعذب ألحانه الأرواح الهائمة بروعة الوجود وبهاء الحياة.. وإذا ما قرأنا قصائده التي كتبها في الأصدقاء نتلمس حجم الحب الذي يكنه العيسى لكل الناس الذين بادلوه الحب وبادلوه الصداقة.. ولكن من هم أصدقاء شاعرنا العيسى؟!
تقول الدكتورة ملكة أبيض في مقدمتها لديوانه (أنا والأصدقاء) الذي أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب إذا كان معظم الناس يستطيعون تحديد أصدقائهم فإن سليمان العيسى لا يستطيع ذلك إنه شاعر وحيثما وصل صوته كان له أصدقاء... إذاً من هناك نتأكد أن العيسى لم يكن نخبوياً ولا انتقائياً في خطابه الشعري ولا في حبه لبني عروبته ولبني الإنسان..
وإذا ما حاولنا أن نعرف من الدكتورة ملكة كيف تكونت تلك الصداقات العصية على الإحصاء تقول في مقدمتها للكتاب بأنه طاف معظم أرجاء الوطن العربي وألقى واستمع وكون صداقات لا حصر لها.. وهو شاعر أطفال: وكل طفل قرأ أناشيد الشاعر، ورددها، وحفظها أصبح صديقاً له مدى الحياة.. وهو مربٍّ! عمل مع الكثيرين، معلمين وطلاباً، وكل من عمل معه وتبادل معه الرأي والخبرة، كان صديقاً له أضف إلى ذلك صفاته الشخصية، ونزعته الإنسانية ونضاله ضد الاحتلال، والاستعمار، والظلم والاستغلال، والفقر والحرمان، مما وسع دائرة صداقاته لتضم الأطفال والشبان والشعراء والأدباء ورجال الفكر بعامة والمناضلين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأنصار العدل والتحرر والكلمة الجريئة المضيئة داخل وطنه وخارجه...
ولم تنس الدكتورة ملكة أبيض الجمهور الذي يحيط بالشاعر خلال الأماسي الشعرية والحفلات التكريمية والندوات والذين يصادفهم في المطعم وفي كل مكان يقوم بزيارته وتقول: إنها شعبية صادقة بريئة.. فسليمان لا يملك إلا حبه العميق لهؤلاء الناس وكلمته الجميلة التي ينشرها للكبار والصغار...
وإذا ما أردنا استحضار شاهد يؤكد هذا الصدق نتلمس ذلك من خلال الكلمات البسيطة والسلسة والواضحة حيث يقول:
كنت للناس..
وكان الناس لي
منذ أن رنّت بعودي كلمة
فإذا ما أصدقائي حضروا
صدح النور...
وضاءت عتمة..
فالشاعر يتسع حبه ليستوعب كل من تصل إلى أسماعه كلمات الشاعر وهنا تضيء روحه بوهج المحبة المتبادلة ليصبح المكان أحلى وأزهى...
وبالعودة لحديث الدكتورة أبيض التي قامت بجمع قصائد الديوان وترتيبها تشير إلى حرصها على عدم توزيع الكتاب إلى موضوعين كبيرين: الأصدقاء الغائبون والأصدقاء الحاضرون لئلا يغلب عليه طابع الحزن والرثاء...
مضيفة صحيح أن المراثي فيه كثيرة تشمل العديد من أصدقاء الطفولة والنضال ومنهم: الشيخ صالح الغانم- مسعود الغانم- زكي الأرسوزي، أدهم اسماعيل- صدقي اسماعيل يوسف شقرا وأصدقاء الكلمة مثل إلياس أبو شبكة- عمر أبو ريشة بدوي الجبل نزار قباني عبد السلام العجيلي ومحمد الحريري- إلا أن الكتابات المتبادلة مع الحاضرين تعطي الكتاب نكهة تبادل فكري، وتفاؤل بالمستقبل، فهي تثير قضية فلسطين وتحريرها، واللواء وعروبته، والمرأة ومكانتها، والأطفال... والوحدة.. والتحرير.. والفن.. وغيره من الموضوعات التي تشغل الشاعر، باللغة الموسيقية البسيطة التي تتميز بها كتاباته...
ونجد الشاعر سليمان العيسى يكتب قصائده بزخم عال من الوجدانية الصافية التي تعبر عن مدى إيمانه بروحانية الأشياء والمحيط بموسيقية تتعانق مع رهافة الحرف وشفافية الكلمة.. كما نلمس الإحساس العميق بكل حركة تصدر عن معاناة وألم الموجودات كأنه يوحي بأن الحزن هو لزيمها مادام هناك في هذا العالم يوجد الظلم مشيراً إلى أن حالة الاغتراف الدائم ما بين المبدأ والواقع- والواقع والغاية وما بين المرتجى وما يحصل على الأرض...
اغتراب روحي منشؤه اغتراب وجودي... ومن هنا ينطلق بمناجاته معاتباً حقائق لابد من الإشارة إليها عن طريق محاورة كائنات ذات حضور روحاني افتراضي ومنها حوارات مع أشخاص غابوا أو أشياء تؤكد أنه يشعر بها وتشعر به يحس بها وتحس به..
تعال لفتح كتاب السر
ونقرأ قصة همومك الصغيرة
قصة طفولتك...
أنا والتاريخ..
أنا والشعر...
أنا والزمن العربي القادم..
بحاجة إلى أن نعرف شيئاً عنها وعنك..
بحاجة إلى أن نعرف كل شيء..
من هذه نتلمس حجم الألم الذي يعتصر الشاعر.. ألم الحب.. ألم الارتباط بالآخر بالمحيط بالأشياء.. ألم الذكريات.. وعلى هذا المنوال من الرهافة الروحية الصافية والصادقة يخاطب الشاعر أصدقاءه في قصائد الديوان ولكن كل له مناجاته الخاصة وخطابه الخاص...