الصومال .. أسوأ موجة جفاف

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
يعيش اروت كاتيكوف حياة تماماً عكس الحياة التي يعيشها أي طفل في الغرب، يبدو أصغر بكثير مما هو عليه، فهو لا يتوقف عن البكاء والتقيؤ ومصاب بالإسهال، عند وصوله إلى المشفى قال الطبيب بأنه يعاني من سوء التغذية، ونتيجة لذلك أصيب بمرض السل، وفي المكان نفسه كان هناك العشرات من الأطفال الذين يعانون من الأمراض نفسها أو الذين فقدوا الوعي نتيجة الجوع.
هناك، بعيداً في الجنوب تعاني الصومال من أسوأ موجة جفاف منذ خمسين عاماً، ونتيجة لذلك أعلنت الأمم المتحدة عن المجاعة في منطقتين، محذرة من أنها ستمتد إلى جميع المناطق في جنوب الصومال خلال شهرين بسبب نقص المحاصيل وانتشار الأمراض المعدية.
إن أكثر من نصف سكان الصومال، أي ما يزيد عن 3.7 مليون نسمة هم في وضع حرج وخطير بسبب المجاعة، وكل يوم يمر دون تقديم المساعدة لهؤلاء، هو مسألة حياة أو موت للأطفال في هذه المناطق.
يذهب هؤلاء إلى الحدود وإلى مخيمات المساعدة هرباً من المرض والجوع والعطش، ولكن الكثير من الأطفال للأسف يموتمون في الطريق قبل وصولهم أو بعد وصولهم، حيث يفارقون الحياة من شدة المرض والجوع، فهناك في تلك المناطق واحد من ثلاثة أطفال يعاني من سوء التغذية بشكل خطير، ومعرض لخطر الموت في أية لحظة.
الأيام القادمة ستحمل على الأرجح الأوبئة مثل الملاريا والحصبة، لذلك نجد بعض الأطفال مستلقين بانتظار الموت الذي يجدونه رحمة لهم.
سلطت وسائل الإعلام الغربية الأضواء هذا الأسبوع على فضيحة التصنت التي ارتكبتها المؤسسات الإعلامية التي يمتلكها قطب الإعلام روبرت مردوخ، هذه الفضيحة التي أحدثت غضباً شعبياً في الأوساط السياسية والإعلامية، ولكن وسائل الإعلام نسيت أن تذكر على صفحاتها الأولى الموت الذي يطارد نصف مليون شخص في الصومال.
أتذكر أمراً عن أيام طفولتي هو المعونة الإنسانية، فقد كان عمري 17 عاماً في عام 1985 عندما كنا نتناقش بشأنها، لم يكن هناك أي شك بهذه الفكرة وكنا ندرك معاناة العالم الثالث، ولكنني اليوم أدركت فشل جيلي في جعل هذه الفكرة سائدة ودائمة إلى يومنا هذا، فالعديد من أطفالنا اليوم لا يعرفون أين تكون الصومال ولا يهتمون بما يحصل فيها، إلا أنهم بالتأكيد يعرفون أخبار المشاهير ويتابعون احتفالاتهم ويترقبون فضائحهم.
قضيت بعض الوقت مع اليونيسيف في مركز لإعادة التأهيل في مالاوي، حيث يمكنك أن ترى الأطفال يعبرون من عتبة الموت إلى عتبة الحياة بفضل الاهتمام، نعم نحن ننتمي إلى جيل يقدم هذا النوع من الاهتمام لنعطي إحساساً حول كيف يجب أن تعاش الحياة، وهذا لم يكن الخيار لنمط حياتنا بل كان ضرورة حتمية لجعل العالم أقل بؤساً.
لقد سلط الأسبوع الماضي الضوء على الأماكن الفارغة في ضمائرنا، حيث اتجه الجميع للاهتمام بفضيحة التنصت ولم نر حتى القليل من الاهتمام بما يحصل في أفريقيا والضحايا التي تسقط بسبب المجاعة.
لقد تابعت وشاهدت بنفسي حاجة هؤلاء للغذاء والمياه النظيفة والأمصال لمكافحة الأمراض، تدعم اليونيسيف 800 مركز للتغذية في جميع أنحاء الصومال، وتزود ما يقرب 1.2 مليون شخص بمياه شرب نظيفة، ويقوم العمال الميدانيون التابعون لليونيسيف بمراقبة ومتابعة ما يجري حتى في الليل، فهم يسهرون من أجل توفير ما يلزم للمصابين وقد تحدثت مع بعضهم على الهاتف وصدمت عندما أخبروني بعدم وجود أي استجابة من الدول الغربية لتقديم المساعدات الإنسانية، وعندما سألت عما ينبغي فعله لإنقاذ نصف مليون من المجاعة قالوا: مبلغ قيمته حوالي 37 مليون جنيه استرليني، وللحظة فكرت أن المبلغ أقل من سعر نقل أي لاعب كرة قدم من منتخب إلى آخر.
فضيحة التنصت أججت الغضب الشعبي وأثبتت إفلاس صنّاع الإعلام القديم الغني ووضعت قيم وأعراف البلاد في المحاكمة، وبالوقت نفسه يهرع الآلاف إلى اليونيسيف وفرقها لتلقي الرعاية والعلاج، فهي تمد الكثيرين بالحياة والحب، لذلك ينبغي أيضاً أن نضع قيم وأعراف بلادنا في المحاكمة أيضاً، فهؤلاء الأطفال يمكن ألا يملكوا هواتف محمولة وألا يحلموا بذلك، ولكنهم بحاجة لنغضب من أجلهم، فهم يريدون لقمة العيش فقط.
 
أعلى