جيلي قال ما في جعبته والمستقبل برسم الشباب!!!!

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
قد تستعصي العودة إلى البدايات قليلاً، ذلك أنها موغلة في زمن الطفولة، وخطو الزمن جعل كثيرها في النسيان، إذ ذاك كانت لي جدة تزورنا كل حين، وكنت أقضي أمسيات طويلة أستمع إلى قصصها، من أين جاءت هذه العجوز المتداعية بهذه القصص؟!.. وكيف احتفظت بها ذاكرتها هكذا طازجة موّارة بالحياة والحيوية؟!.
إن الجواب سيخذلني، هي كانت امرأة أمية، بيد أن الثقافة الإسلامية في وجهها الشعبي، شكلت وجدانها وذائقتها إلى حدّ كبير، ولذلك حضر الشاطر حسن وأبو زيد الهلالي والملك اليماني سيف بن ذي يزن بقوة في قصصها تلك، لقد كانت معيني الأول.
بهذه الكلمات بدأ الحديث معنا القاصّ محمد باقي محمد عن بدايته مع فن القصّ الذي جاء من خلال تراكمات معيشية، كانت تعيش في خياله دون أن يشعر بها الطفل الذي سيصبح قاصاً في يوم من الأيام، وبهذا تابع محمد:
لست بصدد أن ألوم أحداً، ولكن الأهل لم يضعوا حينها يدهم على ميولي، وهذا ما سيخلق معوقات إلى حين، ثمة قراءات كثيرة خارج السياق، قراءات بلا جدوى، نعم هي أورثتني الكثير من الخيال، ولكن وعيهم بما يجب أن أقرأ كان سيختصر عليّ الكثير!.
طبعاً أنا لن أجيب عن سؤال البدايات بلغة الأرقام، وإنما من خلال تمفصله مع حوادث وتواريخ مرت بها البلد، وعلّمت في وجدان جيل بأكمله، بهذا المعنى سأقول: إنني وريث جيل ما بين الحربين، على نحو شخصيّ نشأت في كنف دولة مستقلة، وكان الجلاء بهياً في ذاكرة اليفاعة.‏
كنت قد حصلت على الشهادة الثانوية، وانتسبت إلى جامعة دمشق، الظروف قادتني إلى العمل في مديرية الزراعة، وهناك خطت الذاكرة خطواتها الأولى في مجال الكتابة، كان ملحق الثورة حاضراً في الحياة الثقافية السورية، ومن هذا الملحق كانت البدايات، تلك التي يعود الفضل فيها للشاعر شوقي بغدادي.‏
< ما الذي يحرضك على الكتابة، ومن هم شخوصك؟!.‏
لا أحد يستطيع أن يدّعي الإحاطة بالكيفيّة التي تتداعى فيها عناصر مثل الحبكة والعقدة والحوار لتندغم في نصّ قصصي، كيف يلامس موضوع ما وتراً في الأعماق القصيّة، وكيف يتبدّى في نصّ مكتوب؟!.
< كيف يتداخل الخاص بالعام؟!.. وكيف تتخلق مادة إبداعيّة؟!.
تلك أسئلة لا تزال الأجوبة عنها ملغزة، الثقافة والخبرة ربّما، وقبل هذا وذاك، الموهبة هذا الخليط يمور على نحو ما وينضج، لينتج في النهاية نصاً قصصياً أو قصيدة أو لوحة تشكيلية.
الحيّ الشعبي والمشكلات الاجتماعية، هذه هي المفردات التي شكلت مدى عالمياً ولحمته، فأنا ابن حيّ شعبي، على هذا أستحضر هذه المفردات في قصصي، أما شخوصي فهم قادمون من القاع، هم أبناء الشرائح الفقيرة، التي تتموضع في أسفل السلم الاجتماعي، وقد ينتمون إلى شرائح الوسط مثلاً، بل إنهم قد ينتمون -أحياناً- إلى الشرائح المترفة، إنهم الخلاقون الأرضيون الذين ينتجون الخيرات المادية للمجتمع، وهم مستهلكو الثقافة والفن، هم أناس عرفتهم جيداً بحكم المعايشة، هذا إذا لم أقرّ بانتمائي إليهم، ولذلك تحضرني أدق التفاصيل المتعلقة بحيواتهم، حيرتهم وترددهم، إقدامهم وإحجامهم، الانكسار الذي يسم أحلامهم، تفصيل علاقتهم، هذا ما أحاول الاشتغال عليه، لينعكس في نصوصي القصصية بحدود.
< كيف تنظر إلى المنتج القصصي السوري، أهو استنساخ لهذا الفن على المستوى العربي، أم أن الأمور تشي بخصوصية ما؟!.‏
المسألة ستتبدّى عن وجهين، فالمُنتج القصصي -حاله في ذلك من حال بقية الفنون - مأزوم ، لأنه ابن واقع مأزوم في تبدّيه الخاص والعام، وتكفي القضية الفلسطينية في هذا الجانب مثالاً، من جهة أخرى تعالَ نتأمّل في المشهد القصصي السوري «العربي»، وسأجري عملية افتراضية تقوم على استبعاد القصّ السوري من اللوحة، وستفاجئك النتائج، إذ سيغيب نصف المشهد القصصي العربي، الخليج بأكمله ينضوي على أسماء بعينها، ولا أظن بأن محمد اليحيائي في عُمان لوحده يشكل بستاناً، هذا حال المغرب أيضاً، خذ الجزائر مثالاً، واذكر منها عشرة قاصّين، قد تختلف الأمور إجرائياً في المملكة المغربية من محمد زفزاف إلى عبد الحميد الغرباوي، مصر لها حضورها التقليدي والحديث، ولكن القصة القصيرة السورية شيء آخر.
تيارات وملامح غير قابلة للاستقصاء الدقيق بسبب الحجم والثراء والتنوّع، لن أغالي إذا قلت بأن القصّ السوري علامة فارقة في القصّ العالمي على المستوى الجمعيّ.
< وماذا عن القصة القصيرة والـ : ق ق ج؟‏!.
القصة القصيرة تجاوزت مرحلة التبيّؤ كمُستنبت خارجي جاءنا من الغرب، وهي الآن تمور بتيارات شتى، إنها ورشة تجريب لأساليب وتقانات، أما مع الـ : ق ق ج فالأمر سيختلف، فنحن إزاء جنس لم تستو له الأمور بعد، هو مازال قيد التجريب، إن على مستوى الممارسة، أو على مستوى التقعيد، على المستوى الشخصي، لا أظنني قادراً على اجتراح هذا النمط من القصّ لحينه، غير أنني من سعة الصدر بحيث أتمنى له أن يتأرّض ويتطور، فنكسب جنساً أدبياً جديداً.
< أدب الشباب كان هاجسك الرئيسي، فماذا عنه؟!.‏
نعم هو هاجسي ومشروعي أيضاً، المسألة تتلخص في أنني أرى بأن جيلي قال جلّ قولته، إن لم يكن قد أفرغ ما في جعبته، وإذاً فالمستقبل برسم الشباب.
مسألة أخرى، أرى أننا أصحاب بضاعة كاسدة، والأسباب تتعدّد، ثمّة ما له علاقة بأننا شعوب لا تقرأ، وأن المكتبات تغيب عن منازلنا، ناهيك عن ارتفاع سعر الكتاب بسبب غلاء سعر الورق عالمياً، أو للعبة التجار في جشعهم، غياب دور الدولة الجاد في هذا الجانب، وشكلانية كثير من المؤسسات المنوط بها أن تلعب دوراً ثقافياً، هذا كلّه يخلط الأوراق، ويعقّد المشكلة، لهذا اشتغلت من خلال ترؤسي لفرع اتحاد الكتّاب العرب في المحافظة على منحيين:
الأول: قدّمت فيه أنشطة نوعية كما في أسابيع الفكر التي قدّمناها، لقد استضفنا عقولاً وأقلاماً لها حضورها ومصداقيتها في ضمير الناس، تلك كانت محاولة لاسترداد مَن يمكن استردادهم من أولئك الذين غادرونا لغير سبب، ثم أفردنا للشباب حيزاً ليعبّروا عن أنفسهم، فكان مهرجان الأدباء الشباب من خارج اتحاد الكتّاب، لقد تعاملنا معهم من موقع الندّ، وكانوا طول الوقت زملاء وأصدقاء، ولا أظن بأنني سأفاجئك عندما أورد أننا قدّمنا في مهرجان الأدباء الشباب الرابع تسعة وخمسين اسماً، قد لا يكون الجميع شعراء أو قاصين ناجزين، ولكنني سألفت نظرك إلى أننا تحصّلنا على المراكز الخمسة الأولى في مسابقة الجولان لهذا العام، وهي ليست المرة الأولى، فقد كانت نتائجهم مماثلة في مهرجان الطلبة المركزي، واليوم .. وبعد أن غادرت الموقع لأشغل موقع مقرّر جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتّاب العرب، فإنني لا أزال أراهن على هؤلاء الشباب، ولا أزال أزعم أنهم سيحتلون حيزاً هاماً في القصّ السوري، هذا يشمل إبراهيم الخليف وفاضل عبد الله وداوود فريح وعبد الغني محمد ومحمد العجيل ومضر حمكو وأيمن الأحمد وأحمد نشمي الخليف ومحمد الخليف، والأسماء حضرت على سبيل المثال لا الحصر.
< ومشاريعك المستقبلية ماذا عنها؟!.‏
هي الأخرى تندرج في سياقين، خاص كنت قد بدأته بعد أن سلّمت موقعي في رئاسة المكتب الفرعي لسلفي، وعام جاء بعد تسلمي لمهمتي الجديدة كمقرّر لجمعية القصة والرواية في اتحاد الكتّاب العرب، فعلى الصعيد الشخصي كنت مركوباً بحسّ الفوات، لقد اكتشفت بأن مشاريع الشباب ليست تعويضاً حقيقياً، إنها تخصهم، وإن الوفيّ بينهم سيقرّ بدور ما لي في هذه المشاريع، طبعاً هذا حقهم، ولا يخلو الأمر من نصائح الأصدقاء الخلَّص، لهذا فأنا الآن أشتغل على ثلاثة أعمال دفعة واحدة، قصة حب طويلة، ربّما لأنني أرى فيه قيمة بذاته، وذلك بعيداً عن احتمالات الربح والخسارة، ورواية ترصد الراهن الاجتماعي والثقافي والسياسي للقطر، ناهيك عن عمل نقدي.
كنت أكتب مقالاً دورياً في الموقف الأدبي، أغطي فيه قصص العدد السابق بقراءات نقدية، لقد قرأت ما ينوف على المئة وخمسين قصة، ولهذا أنا أفكر في عمل يتناول القصّ القصير واقعاً وآفاقاً، ثم إنني متواجد بكثافة في المواقع الإلكترونية، حتى أنني أشرف على قسم القصة في منتدى عاطف الجندي بمصر، وهذا كل شيء لتاريخه.
 
أعلى